منذ أن خرج إلى الحياة وهو أعمى. لم يرَ نور الصباح يومًا، ولم يعرف ملامح أمه أو لون السماء. تخلى عنه والداه، لا قسوةً، بل هروبًا من عار ألصقه بهم المجتمع، الذي اعتقد أن العمى هو عقوبة إلهية لخطية ما ارتكبها هو أو والديه. وهكذا عاش منبوذًا، متروكًا يصارع الحياة وحده، يحمل عارًا بلا ذنب اقترفه، ولكي يعيش يجب أن يتعلم كيف يثير الشفقة في الناس.
رجال الدين استخدموه كعبرة، كأن حضوره بحد ذاته رسالة تهديد للجميع. هذا ما يحدث مع من يغضب الله كان رجال الدين يعظون. وصار وجوده أداةً في أيديهم لإخضاع الناس لهم، يشيرون اليه بأصابع الاتهام كعلامة للغضب الإلهي، لا كإنسان مكسور يحتاج الرحمة. لم يهتموا بتشويه صورة الله طالما ذلك يحقق مصالحهم ويزيد سطوتهم.
لم يكن له وسيلة للعيش سوى التسوّل. أقنعه المجتمع أنه لا يصلح لشيء. مهمّش، بلا قيمة، ولا يُنتظر منه رجاء. حياته توقفت عند حدود العتمة، إلى أن التقى يسوع.
أما يسوع فلم يره كمتسول يستجدي، بل كإنسان له خطة لمجد الله. لم يسأله عن خطاياه، ولم يوبخه، بل اقترب منه بمحبة واحترام واشتياق أبويّ. لم يقدّم له الشفاء فقط، بل قدم له الكرامة. ثم خلق له عينين، عينان لم تكونا موجودتين من قبل، ليبصر للمرة الأولى في حياته.
ذهل هو، وذهل الناس. من ذا الذي يخلق عينين لمولود أعمى؟ الناس انشغلوا بسبب المعجزة في عينيه، أما يسوع فانشغل بخلاص قلبه.
لم يكن الأهم أن يفهم الأعمى لاهوت المسيح، بل أن يختبر محبة الله، وأن يتحوّل من حالة بؤس إلى فرح، ومن هامش المجتمع إلى موضع اهتمام الله.
هاني نعيم