في يوم من الأيام الكئيبة التي انتشرت فيها التجارة البغيضة – تجارة الرقيق، هبطت على الساحل الأفريقي الغربي سفينة ضخمة، تقودها القراصنة الجبابرة، يحملون بنادقهم وأسلحتهم البيضاء.
وفي لمح البصر هجم القراصنة كالوحوش الجائعة. على بيوت المواطنين المسالمين فهدموا الأكواخ، وضربوا النساء، وداسوا العجائز وطاردوا الرجال واصطادوا الصبايا من أقوى شباب القبيلة!
ومع غروب الشمس، كانت الغابة تئن تحت أقدام الغزاة المتوحشين. وهم يدفعون أمامهم عشرات الضحايا من السود، عرايا الأجساد تتدفق الدماء. من جروحهم الدامية وتتصاعد الآهات من حناجرهم الذبيحة.
وفي قاع السفينة المظلم الرطب، أخذ القراصنة يدفعون الرجال، وقد قيدوا أيديهم خلف ظهورهم بحبال متينة، وشدوا أرجلهم إلى أعمدة السفينة بسلاسل خشنة بين الحيوانات والبضائع!
واندفعت السفينة مبتعدة عن الشاطئ وعلى ظهرها ظل القراصنة يتصايحون في نشوة من الفرح والكبرياء والجنون وفي القاع كان الأسرى السود منكفئين على وجوههم، وقد تلاحمت أجسادهم الساخنة والتصقت جروحهم، وهم يتقلبون في الوحل والدماء والدموع، يصارعون الألم، والعطش، والجوع، والعذاب!
وخرجت نساء القبيلة إلى الشاطئ تصرخن بمرارة وبينهن عروس شابة تحمل رضيعها، وتبكي في حزن صامت حبيبها الذي رحل.
ومرت سنوات كثيرة كبر فيها الطفل، وصار رجلًا متمرسًا على حياة الغابة ومصارعة الوحوش، لكن عينيه وعيني الأم لم تغفل عن الشاطئ الممتد انتظارا لعودة الأب الغائب. ولم يعد الأب، بل جاءت عصابة أخرى من القراصنة وبعيون متقدة نظر الابن إلى القراصنة من خلف الأشجار الكثيفة، وأمسك برمحه المسنون، وارتعش جسده كالنمر المتحفز للصيد وانفرجت شفتاه عن ابتسامة سعيدة وهو يراقب أحد القراصنة وهو يبتعد عن رفاقه ويندفع في طيش وحيدًا إلى داخل الغابة.
وتسلل الشاب خلفه في حذر واصرار وقد أضمر الانتقام، ثم حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد تعثرت قدم القرصان الأحمر، وسقط على الأرض لتصطدم رأسه بحجر كبير، فصرخ صرخة مكتومة كالوحش الجريح، وأخذ يعض بأنيابه جذور الشجر.
وفي هذه اللحظة رفع الصبي رمحه عازمًا أن يهوي به في قلب الرجل، لكن السماء تنشق من صرخة الأم، تحذر ابنها من الانتقام من رجل جريح.
وارتخت يد الصبي – ومرت لحظات طويلة من الصمت، ثم انحنى فوق القرصان الراقد، يربط الجرح ويجفف العرق ! وبعد لحظات جاءت الأم، ورفعت رأس الرجل برفق لتضع على شفتيه كوبًا من اللبن!
كانت المرأة السوداء تحمل في صدرها قلبًا ناصع البياض.
التفرقة والظلم
إن التمييز بين الناس على أساس اللون، أو العرق أو السلالات ينطوي على كثير من الظلم، ويُظهر الوجه القبيح لكبرياء الإنسان المتجبر.
فجميع البشر هم خليقة الله، فقد صنعنا على اختلاف ألواننا وقدراتنا، ومنحنا جميعًا مكانًا في مملكته العليا – كرعايا لله في كل مكان. لنا نصيب واحد من العناية السماوية والحب الإلهي.
لكن كبرياء الإنسان المتحضر، وجبروت القوة الغاشمة، انتزعت الرحمة من القلوب، ووضعت القوانين الجائرة، التي أباحت بيع أجساد الناس للناس في القرون الماضية، أو بيع حقوقهم في أيامنا الحاضرة!
فمع أنه لم يعد يحدث في أيامنا أن تأتي السفن بالعبيد، ويباع البشر في الأسواق كالحيوانات والبضائع، إلا أن ألوانًا من التمييز العنصري القبيح، مازالت تُمارس في علاقات الناس، وتضع الفوارق الكاذبة، والحواجز الجائرة في طريق المظلومين .
في عقلی قرصان جائر!
وليس هذا التمييز اليوم من أعمال قراصنة البحر، أو حكومات بعض الدول فقط، لكنه كثيرًا ما يتسلل إلى عقولنا
كأفراد فيسرق من قلوبنا مشاعر الإخاء الإنساني.
فنحن نفرق بين الناس على أساس الجنس أو الدين أو الطبقة الاجتماعية أو البيئة، فإننا نمارس لونًا من التمييز الظالم ، ونمارس قرصنة فكرية – تغتصب حقوق المظلومين الذين نضطهدهم.
ونحن معرضون لهذا اللون من التفرقة في علاقاتنا وحتى في داخل بيوتنا. وحين نحجب حبنا عن إخوتنا الذين لا يشاركوننا أفكارنا، فإننا نفعل ذلك لأننا نستضيف في عقولنا قرصانا جائرًا يمارس العنصرية الفكرية!
الله المحبة والعدل
في الوقت الذي يعاني فيه البشر من ألوان الظلم، والتفرقة الطبقية والتمييز العنصري يطل الله على عالمنا بنظرة الحب المطلق والعدل المطلق لكل البشر. ويقدم الله عرضًا كريمًا متساويًا لكل الناس للتوبة والرحمة.
فمع أن عقول الناس تختلف كبصمات الأصابع، وأفكار الناس تتنوع وتتضارب، فإن محبة الله تتسع للجميع من كل
لون، وجنس، وقبيلة، وشعب وأمة وحضارة.
وهو يشرق شمسه على الأبرار والأشرار معا ويرسل الأمطار ليروي الخاضعين له والمتمردين عليه ، ويقف إلى جانب الضعيف حتى يقوى، والشارد حتى يعود والمتكبر حتى يخضع دون تمييز أو تفرقة.
فرصة متساوية.. ولكن
ويمنح الله للناس فرصًا متساوية للدخول في طاعته، ويفتح باب رحمته أمام جميع الوافدين إليه، ويبسط يده السخية ليرزق كل اللاجئين إلى مائدته.
لكن الناس هم الذين يُضيقون أرزاقهم حين يبتعدون عن رعاية الله، ويدخلون في المتاهات والصراعات البشرية.
والناس يضيعون مستقبلهم الروحي، حين يخطئون فهم محبة الله وعدالته وقداسته. فمحبة الله للجميع، وعدالة الله مطلقة، وقداسته لا ترضى عن الخطيئة ولا تتهاون مع الشر.
لذلك فإن الكثيرين – رغم محبة الله لهم كبشر – يعزلون أنفسهم خارج دائرة الغفران الإلهي، ويصطدمون مع مطاليب الله القدوس الطاهر! إنه سبحانه يحبهم، ويريد أن يغفر لهم، لكنهم يضيعون امتياز الحب والرحمة الممنوحين للجميع.
والذين يفهمون قصد الله لحياتهم، يأخذون لأنفسهم امتياز الدخول في رحمته وقبوله الأبدي.
إن الله لا يميز الواحد على الآخر، فجميعنا خطاة نسقط في الخطيئة، وجميعنا مدعوون للتوبة، وجميعنا مقبولون في رحمة الله إذا لجأنا إليه ، وجميعنا نتمتع بحرية مطلقة للقبول أو الرفض.
– ما أعظم محبة الله التي لا تفرق ولا تميز.
– وما أعظم رحمة الله التي تتسع لكل من يرغب.
– وما أجهل الإنسان الذي يفصل ذاته عن رحمة الله،
– وما أسعد الإنسان الذي يستجيب لصوت الله.
1 فكرة عن “ما أعظم محبة الله التي لا تفرق ولا تميز”
هذا الموقع الإلكتروني هادف يقدم محتوي يخاطب العقل والقلب والروح أريد ان يكون متجدد باستمرار و من نجاح إلى نجاح